منذ بدء الخليقة و الشغل الشاغل لبنى آدم هو كيف يحصل على ما يجعله يشعر بالارتياح الداخلى و الذى يعرف بمصطلح (راحة البال ) . فما هى راحة البال ؟

راحة البال :

هى الدرجة الأعلى من درجات السعادة و الإرتياح النفسى و الطمأنينة الداخلية التى تنعكس اثارها على الانسان ظاهرا و باطنا فتكسوه هدوءا من الخارج و ثقة و قناعة من الداخل فيمضى فى الحياة و كأنه ملك متوج و إن لم يكن يملك قوت يومه .

عندما قتل قابيل أخاه هابيل لم يكن ذلك الا لأنه أراد أن يتخلص من وجوده أمام عينيه لأنه كلما رآه تذكر أن الله تعالى قد تقبل قربان من أخيه بينما تم رفض ما قدمه .و بدلاً من أن يبحث الاسباب و يفكر فيها فقد اتخذ منحى غريب جدا و قتل أخاه !! ظنا منه أنه بعد مقتله سيشعر براحة البال .فهل شعر بها ؟ كلا .بمجرد قتل أخيه بدأت تراوده احاسيس بضيق النفس و اختناق الروح حتى أنه حدث نفسه قائلا : يا ويلتى أعجزت أن اكون مثل الغراب فأوارى سوءة أخى . إنه يصرخ قائلا : يا ويلتى !! فهل هذا الصراخ يليق بمقام من قد حصل على راحة البال ؟ أترك الإجاية لك .

دعنا نتفق أن الجميع يريد أن يحظى بتلك اللذة التى لا تضاهيها لذة اخرى لكن بكل الاسف الغالبية العظمى تضل الطريق نحو راحة البال السبب بكل بساطة أن كل إنسان يعتقد أن راحة البال تتلخص فى شىء معين فيبذل قصارى جهده فى تحقيق الحصول على هذاالشىء و الإستحواذ عليه بأقصى قدر ممكن و كثيرا ما ينجح فى الحصول على مأربه فى إمتلاك ما يريد لكنه حتما سيشعر بالاحباط عندما يتأكد ان السعادة و راحة البال ليسا فى امتلاك ما كان يظن و يعتقد .

فهل السعادة و راحة البال تكمن فى المال ؟

لا ينكر أحد أن المال هو واحد من المقومات الاساسية للحياة و بدونه لا نستيطع قضاء غالبية حوائجنا و لا شراء مستلزماتنا لكن السؤال : هل الاستغراق فى جمع المال بكثرة و كنزه و تخزينه كما يفعل السواد الاعظم من الخلق هل هذا يحقق لهم راحة البال ؟ قطعا لا . و كم من مليونير سمعنا عنه يعانى أعراض نفسية شديدة و قد ينتهى الحال ببعضهم الى الجنون او الاقامة فى مصحات نفسية من شدة ما يعانيه من اضطراب نفسى داخلى . بل كثيرا ما يكون كثرة المال ان لم تصحبه حكمة و عقل فيصبح سببا فى تكدير المعيشة . و ما أكثر انتشار هذا النموذج بيننا .

هل راحة البال فى المنصب و الوظيفة ؟

الوظيفة الجيدة و المنصب الرفيع يساعد على استقرار الانسان بصورة نسبية و يمنحه وجاهة اجتماعية . و البعض يتمنى من داخله وظائف معينة ذات طبيعة خاصة كمن يتمنى العمل بين صفوف جهات الأمن او الجهات السيادية و من يحلم بالوصول و الترقى الى منصب المدير او رئيس العمل و بلا شك يسعد المرء بتحقيق مراده فى هذا الصدد و تحقيق طموحاته الوظيفية لكن هل يجتهد المرء و يبذل كل الجهد لأجل الترقى الوظيفى و يتغاضى عن الطرق التى اوصلته لذلك فقد يتسبب فى الاساءة لغيره او قد يصحب ذلك تقصير حاد فى الالتزامات الاسرية و العائلية و حتى و ان كان قد وصل الى منصبه بجهده و عرقه فهل مجرد الوصول الى منصب رفيع يكفل له راحة البال ؟؟ الكثيرون من أصحاب المناصب يعانون الارق و القلق بسبب مناصبهم !!!

هل تكوين أسرة كاملة يؤدى الى راحة البال ؟

البعض يعتقد أن راحة البال نتيجة لتواجد الإنسان ضمن أسرة مكونة من زوج و زوجة او اب و ام و ابناء او اشقاء و يظن أن مجرد وجود اسرة تؤنسه و تكفل له التواجد الاجتماعى و تدافع عن مصالحه و تسعى لتقديم يد العون له أن ذلك هو اقصى درجات راحة البال و هون أمر أيضا غير واقعى بصورة كاملة .

فكيف يجد الإنسان راحة البال ؟

فى الواقع – و مما سبق ذكره فى المقال – أن راحة البال ليست فى مجرد الحصول على المال او المنصب او حتى التواجد ضمن نطاق إجتماعى قوى و إن كان كل ما سبق يعد من عوامل السعادة و الاستقرار النسبى .

لكن راحة البال بمعناها الكامل و الشامل تتلخص فى توافر عوامل خاصة أهمها على الإطلاق القناعة بما فى اليد و تصالح الإنسان مع نفسه و ثقته بقدراته . بالإضافة إلى ثقته فى المحيط من حوله سواء أسرته او اصدقاءه او زملاء العمل .

كذلك من أهم عوامل راحة البال أن يحتفظ الإنسان طيلة الوقت بإحترامه لذاته و تقديره لنفسه و هو أمر بعيد كل البعد عن الغرور و يتعلق بصفة أساسية بسلوك الفرد و تقييمه العادل لأداء نفسه فى الحياة إن كان يقوم بواجباته فى الحياة على أكمل وجه و يقوم بدوره الحيوى فى عمارة الأرض و تقديم النفع لنفسه و لغيره .

هناك عوامل مساعدة أخرى تساعد على اكتساب راحة البال و منها :

  • تنظيم الوقت
  • ممارسة الرياضة
  • الإهتمام بالصحة
  • مساعدة الغير
  • الترفيه عن النفس من حين لآخر
  • الاستقرار العائلى
  • الاستقرار المادى
  • الترويح عن النفس و الفضفضة مع من تثق بهم
  • النوم بصورة كافية
  • التواجد فى مجتمع يقدر الأشخاص و يعطى لكل إنسان حقه .

 

على جانب آخر هناك عوامل أساسية من شأنها القضاء على راحة البال و التى يجب على الفرد تجنبها قدر الإمكان

الطمع : و هو مختلف كل الاختلاف عن الطموح . فالطموح يكون مقترنا بالعمل بينما الطمع يتلخص فى الحقد على الغير و محاولة الشخص ان يحصل على ما لا يستحق بدون جهد او بصور لا تحق له . و الشخص الطموح لا يخفى طموحاته بينما الطماع يخفى ما يضمره فى نفسه و يكون ذلك سببا فى تعرضه لضغوط نفسية هائلة تدمره و تعصف براحته النفسية .

سوء الخلق : و هو مما يجلب كراهية الناس و يستدعى عداوتهم و من ثم لا يجد المرء من يقفالى جواره او يقدم له يد العون فى أى موقف عصيب يمر به فإن مرض لم يجد من يقوم بزيارته و ان اضطر للاقتراض لم يجد من يقرضه فينتهى به الحال الى الشعور المستمر بعدم الأمان .

الإنشغال بالغير : و هو من أكثر الآفات التى تنتشر فى المجتمعات أن يجد الكثيرون لا يهتمون بأنفسهم و لا اصلاح أحوالهم قدر انشغالهم بأحوال غيرهم و تتبع خطواتهم فإن وجد فلان قد حقق نجاحا فى مجال ما استدعى الأمر غيظه و حقده . و إن عرف أن فلان قد أخفق فى أمر ما تجده سعيدا مسرورا على الرغم أن نجاح شخص ما أو فشل آخر لا يؤثر عليه و بالتالى لا يجب أن يكون شغله الشاغل . و تلك الخصال الذميمةلا توجد فى الغالب سوى لدى شخص جاهل ضيق الأفق لا يعرف عن حقيقةالدنيا شىء و يتصور أن المشهد الحالى أمام عينيه هو الحياة بأكمله و يتناسى أن مسلسل الأيام يحمل بداخله الكثير و الكثير و أن الفرص متاحة للجميع ليحقق نجاحاته و أنه لكل مجتهد نصيب .

 

راحة البال