وضى الإعلانات الطبية فى مصر من مظاهر حالة الفوضى وعدم المؤسسية وغياب الرقابة الحقيقية للدولة , قبل وبعد الثورة , هذه الظاهرة الخطيرة التى تمس حياة ملايين المواطنين , ألا وهى الإعلانات الطبية التى غزت القنوات الفضائية والصحف والمجلات بل وصارت هناك قنوات متخصصة للإعلانات الطبية بدون رقيب أو حسيب. الأمر متشعب جدا ويتخذ أبعادا تجارية لكن الأخطر هو البعد الصحى والطبى الذى لا يجد من يحمى حدوده 1- إعلانات مستفزة عن أعشاب ودهانات وكريمات ولصقات تعالج كل شيء – من الإبرة إلى الصاروخ – من الصداع إلى الأورام – السكر والضغط والكبد والكلى وجلطات المخ والوماتيزم – وكل الأمراض التى تعرفها ولا تعرفها 2- متاجرة بعواطف المشاهدين الدينية : بعرض منتجات ووصفها بأنها من الطب النبوى – خصوصا والإعلان ( أحيانا) على قناة دينية إسلامية يظهر عليها مشايخ أفاضل بل والذى يقدم الإعلان (ملتح ) إذن هذا العلاج له قدسية خاصة !!! وهذا إبتزاز رخيص للمشاعر وقفز فوق الثوابت العقلية قبل الطبية. 3- إعلانات خادشة للحياء : عن مقويات جنسية وأخرى لتكبير وتصغير ….. ما هذا العهر الإعلانى , هذه إعلانات يشاهدها الملايين صغارا وكبارا وتقتحم بيوتنا عنوة وتسبب إحراجا كبيرا لكل أفراد الأسرة. 4- اللعب على وتر التجربة : وللأسف تسود فى المجتمع ثقافة ( اسأل مجدب ولا تسأل طبيب) فتعرض العلانات مشاهد مسجلة لبعض من يدعون أنهم كانوا مرضى على مشارف الموت ثم أنقذهم العلاج السحرى وهذا لا شك يغرى كثير من البسطاء خصوصا أصحاب الحالات المستعصية كالأورام والفشل الكلوى والكبدى التى حكم الأطباء المتخصصون فيها بأنها حالات متأخرة , لكن يهرول المريض وأقاربه لشراء هذه المنتجات وعندما أناقش بعض هؤلاء وألومهم على الجرى وراء السراب خصوصا أن كثير منهم متعلمون ومثقفون لكن الإجابة المسكته دائما: ( المريض يتعلق بقشاية ) 5- فوضى الطب البديل : تتمثل بالزج بالأعشاب والممارسات الطبية القديمة فى كل الأمراض , ودعوى العودة إلى الطبيعة , دون إبحاث طبية معتمدة وللعلم – مصر لا يوجد بها بحث طبى معتمد محكم طبيا – والعالم المتحضر جميعا يعتمد معايير طبية صارمة للحكم على فعالية أى مستحضر طبى فيما يسمى الطب القائم على الدليل (Evidence based medicine) بل ويتم سحب مستحضرات طبية ذات فعالية عالية جدا لكن سحبت خوف حدوث بعض الأعراض الجانبية وهناك أدوية شهيرة جدا لشركات عالمية انفقت عليها الملايين والمليارات وتم سحب هذه الأدوية لوجود بعض التقارير عن مخاطر (محتملة !!) على القلب وأشهر الأمثلة على ذلك ( Cisapride & Rosiglitazone) أنا أعلم أن هناك دول استطاعت إثبات فعالية الطب التقليدى أو البديل( Traditional medicine) بل وانتزاع اعتراف واحترام العالم لهذه النوعية من العلاجات مثل الصين والهند ولكن هذا جرى بعد أبحاث طبية وتجارب معملية وليس بناءا على الموروث والتراث الشعبى فقط. إذن التراث الطبى العربى مقبول ومطروح على مائدة البحث الطبى لمعرفة فعالية – الحجامة وحبة البركة والتلبينة ولبن الإبل – وغيرها وهناك أبحاث بالفعل عن فعالية بعض هذه العلاجات فى بعض الأمراض ونصوص شرعية تحض على استخدامها لكن أن تطرح لعلاج أي شىء وكل شىء !! فهذا مما يرفضه العقل والشرع والطب وهذه مهمة منوطة بأكاديميات البحث العلمى والجامعات لعمل أبحاث جادة عن فعالية الطب الشعبى والبديل , ولا يمكن أبدا أن تقبل نتائج أبحاث فردية من طبيب أو معالج بالأعشاب على مريض أو عدة مرضى ثم يزعم أن هذا علاج فعال وتم تجربته على المرضى وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يتاجر بصحة المسلمين أين مؤسسات الدولة لوقف هذه الفوضى الإعلانية : والمؤسسات المعنية بهذا الأمر هى : 1- وزارة الصحة : التى ينبغى أن يكون هناك اشتراط قبل صدور أى إعلان تجارى تليفزيونى أو بجريدة أو غيره بشأن منتج يمس صحة المواطنين ينبغى الحصول على موافقة الوزارة على المنتج والإعلان وصيغة الإعلان, لأن كثير من المنتجات تحصل على موافقة الوزارة كمكمل غذائى ويخرج الإعلان (من الإبرة إلى إلى الصاروخ ) 2- جهاز حماية المستهلك: وهو الجهاز المنوط به حماية المواطن من تلاعب الشركات المنتجة فى عرض خواص للسلع غير مطابقة للحقيقة وعرض إعلانات تجارية مخالفة للشروط, وأنا أجزم أن كل هذه المنتجات لو عرضت على اللجان الطبية المتخصصة لرفضت لأول وهلة دون أى تردد لأن الأمر لا يعدو مجرد ( دجل وشعوذة طبية). 3- وزارة الإعلام : التى يجب أن تقوم بدورها فى حماية عقول المشاهدين من التلاعب بالعواطف والمشاعر بإعلانات لا تراعى أدنى معايير المهنية الإعلامية.