كان هناك رجل حكيم يريد أن يعلم تلاميذه حكمة فدعاهم ليشربوا القهوة معه وعندما بدأ الحديث احضر الحكيم مجموعة كبيرة ومتنوعة من فناجين القهوة منها ما هو غالي الثمن ورائع ومنها ما هو غث ورخيص وبسيط ، منها ما هو ملون وشفاف ومنها ما هو صلب وذو لون بسيط. وبدأ يعرضها عليهم وقال لهم: كل واحد منكم بإمكانه أن يختار كوب أو فنجان القهوة الذي يريد أن يشرب فيه ..وبدأ الجميع بالاختيار وكان معظم الاختيارات على الأكواب والفناجيل ذات الشكل المبهج والسمك الشفاف . بعد ذلك بدأ الحكيم في صب القهوة في كل الأكواب التي أختارها التلاميذ وكانت المفاجأة أن كثير منهم لم يستطع تحمل حرارة القهوة بسبب الزجاج الرقيق والأخر تقزز من لون القهوة الذي صبغ الزجاج الشفاف بالسواد .. ثم قال الحكيم هل تعلمتم شيء من هذا . فقال أحدهم مسرعاً: تعلمنا أنا نختار دائما الكوب الأقبح في الشكل والأكثر متانة ..فقال الحكيم : إن الفكرة في اختيار الشيء يكمن في جوهره وليس في شكله الخارجي وليس عيبا أن نختار على أساس الشكل لكن العيب أن يكون كل معاييرنا واختيارنا هو الشكل ، إننا بذلك أسقطنا الجوهر وخرجنا من ذاتنا البشرية إلى ذاتنا المادية وأسقطنا كل شيء ، فأنتم في الاختيار لأكواب القهوة وضعتم جل تركيزكم على معيار الشكل ولم تذهبوا إلى الهدف الأساسي وهو شرب القهوة.

 

اختيار الزوج و الزوجة

 

 

إن هذه القصة تحاكي واقعاً مهم جداً في حياتنا اليومية في الوطن العربي وخاصة في مصر ، حيث أصبحت معظم الأسر العربية تختار شريك أو شريكة الحياة على أساسات مادية وظاهرية أكثر من كونها عميقة وجوهرية وهذا واضح تماماً في المجتمع فالشاب يسعى ليتقدم للفتاة الجميلة من الخارج وذات المظهر الحسن والفتاة تسعى لاختيار الشاب ذو المال والسلطة ، وأصبحت تلك هي المعايير الأساسية (هذا لا يعني أن نهملها ولكن الفكرة تكمن في أولوية تلك المعايير ومدى تفضيلها عن الأخر أو ان تكون هي الوحيدة في الاختيار) ونسينا أن هناك معايير أهم لا تجعلنا نشعر بحرارة القهوة بعد الزواج (بعد أن يصب لنا أحدهم القهوة في كوبنا الذي اخترناه) .. وهنا لا نستغرب أن معظم العلاقات الزوجية تنتهي بالطلاق في السنة الأولى ، والسبب الأساسي هو أننا ربطنا الشكل الخارجي بالداخل وتوقعنا أن الجمال الخارجي هو علامة على الجمال الداخلي . توقعنا أن الرجل ذو السلطة والمال هو كامل الأخلاق والرقي الداخلي .. وهذا القصور في التصور لمفهوم الاختيار وعمق المعايير أنبأ بكارثة حقيقية حيث ارتفعت معدلات الطلاق بشكل غير متوقع وظهر جيل من الأبناء يعتمد على الشكل في اختياراته وعنده خلل في مفاهيمه عن الواقع الفطري السوي الصحيح . لذلك سوف نبدأ في شرح الخطوات العملية للاختيار الصحيح لشريك أو شريكة الحياة .. وليس هذا هو الكمال المطلق ولكنه الأقرب في وجهة نظري للصحيح ومن حقك أن تأخذ كلامي هذا في صدرك وتنتهجه ومن حقك أن ترمي به كله في أقرب سلة قمامة، الاختيار لك عزيزي القارئ .

كيف أختار شريك أو شريكة حياتي بشكل فعال؟

1- وضع المعايير : كثير من النساء يرفعن معايير الاختيار ويضعن صفات خيالية لشريك الحياة تصل بالمجتمع إلى صفات نادرة وغير موجودة إلى في عالم الروايات والأفلام.. وأيضاً الرجال يتوقعون أن يجدوا امرأة خارقة . هذه اعتقادات خاطئه وهذا لا يعني أن لا نكون طموحين ، التوازن هنا مطلوب.. وللوصول لهذا التوازن هناك أساسات ومبادئ ثابتة للاختيار وهي:

  • اختر من المعايير ما يتناسب مع صفاتك وطموحاتك في نفس الوقت وهذا يعني أنك تحتاج أن تدرس شخصيتك ونفسك جيداً وتعرف ما هي المعايير المناسبة لك وبعدها تستبعد الأشياء الغير مهمة مع وضع طموحاتك العاطفية والفكرية على تلك القائمة .
  • نقي هذه المعايير ورتبها حسب الجوهر والمبادئ الخلاقة الداخلية ، بمعنى عملي : أنك إذا نظرت إلى قائمة معاييرك و وجدت أن معظم المعايير سطحية وخارجية ولا تتوافق مع الجوهر فحاول بقدر الإمكان أن تعيد النظر في داخلك لأن هناك خلل واضح في نظرتك لفكرة العلاقة الزوجية وهذا كما ذكرنا لا يعني أن لا يكون لدينا معايير خارجية ولكنها نسبة وتناسب ، مثال : الشكل الجيد ، العلاقات الاجتماعية ، نظرة المجتمع لها ، عملها .. معظم هذه الأشياء تركز على الخارج أما في المثال التالي نجد العكس ( أخلاقها ، تعاملها مع الأخرين ، جمالها ، علاقتها بوالدتها) وهكذا..
  • أعد الترتيب ولكن بعد اختبار تلك المعايير عليك وهل فعلاً تتوفر فيك هذه المعايير أم لا ،انتبه فهذه الخطوة مهمة جداً لأنها تجعلك تتوافق مع قوانين الحياة فالطيبون للطيبات والشخصيات تتجاذب بفطرتها مع بعضها البعض ، فمن عملك وطباعك يظهر شريك حياتك ، لذلك أبدأ من اليوم في تغيير نفسك للأحسن وأستعن بالله وأجعلها نقطة بداية للعمل على ذاتك والتغيير للأفضل

2- التفاعل المجتمعي الفعال : وأقصد هنا أن تمارس وتمارسى حياتكما الطبيعية مع الدعاء اليومي والـتخيل الدوري للمعايير والصفات للشخصية ويفضل أن يكون معك ورقة وقلم و وتكتب تفاعل المجتمع مع المعايير والصفات التي اخترتها بشكل إما مباشر كأن تسأل المتزوجين عن معيار نظرة الرجل أو المرآة في تربية الأولاد أو بطريقة غير مباشرة بأن تراقب بطريقة مرنة وأخلاقية كيف يتعامل الأزواج مع أولادهم وكيف كانت نظرتهم لها قبل وبعد الزواج..في النهاية اجمع كل ما عرفته في ورقة وتخيل أول بأول كل مفهوم بشكل يجعلك تركب هذا المفهوم على حياتك الخاصة في المستقبل ( مع العلم أن هذا التخيل يصبح بلا معنى إذا تخيلت شخص بعينه ، لأنك بذلك اخترت الشخص ومن الطبيعي أن يحور عقلك الأفكار لتكون ملائمة و داعمة للشخصية التي تحب أو اخترت)

3- وقت مستقطع : هذه هي الخطوة التي لا يصبر عليها المجتمع بطريقة أو بأخرى سواء مع الولد أو البنت وتتلخص في أنك تحتاج لوقت لتمحيص الموضوع و لكي يكتب لك الله هذا القدر و الشريك في الوقت والمكان المناسبان لك وله لذلك في هذه الخطوة تحتاج أن تعمل على أكثر من محور:

  • محور نفسك : أدعم نفسك باعتقادات إيجابية ولا تدع الاستعجال يجعلك تختار ما لا تريد وفي نفس الوقت ابحث واندمج في ذاتك وأكد على نفسك يومياً أن الله خلقك في أحسن تقويم وأنك سوف تجد ما تريد.
  • محور الدعاء: عليك أن تدعوا الله يومياً وتتقترب منه وتلح في الدعاء وتأكد أن الله سوف يوفقك للخير طالما أن نيتك خير (مرة أخرى لا تدعوا بأن تتزوج أو تتزوجي بشخص بعينه ولكن أدعوا بالصفات المطلوبة)
  • محور المجتمع: وهنا كلمة للبنات أولاً .. لابد أن تعرفي أن مهما بلغ الأمر ذروته فهناك فرج كبير فلا تدعي المجتمع يضغط عليكِ ليقول لكي يجب أن تتزوجي قبل قطار الزواج وما شابه من كلام، لكني أريد أن أنبهكن على الفارق الكبير عن مفاهيم مهمة وعن معايير هدم الإعلام شكلها .. من هذه المفاهيم الحب وأن الزواج يجب أن يكون عن حب ، وهذا شيء جيد لكن ما معنى الحب ، تأكدي تماماً انه ليس هذا اليوم أو اليومين في أول أيام الزواج وليس قبلة البطل للبطلة في فيلم رومانسي وليس ذلك الرجل الذي يأتي من أخر العالم لينقذ محبوبته إنه كلام السينما أما الواقع فهو يتلخص في معيار عملي ومؤشر قوي جداً وهو الأخلاق وتلك الأخلاق تتجسد في المودة والرحمة وتستطيعي قياس هذا في الرجال من تعاملهم مع محارمه وغير محارمه بمعنى تعامله مع أمه أخته والجنس الرقيق اللاتي يقابلونه عموما وبعدها بقية المعايير، فلا ترفضي شاب ذو خلق بمجرد أنك لم تريه يعبر عن مشاعر الحب لك وفي نفس الوقت لا تقبلي شاب ذو سلطة ويعاملكِ جيداً لكن بقية جنسك وبالذات محارمه يعانون معه. و في النهاية أقول أن هناك ثمة توفيق من الله عز وجل وشيء فطري يكتبه الله بين الشريكين يعمل كحافز لها للاقتراب من بعضيهما.

4-الاستشارة : وتتمثل في السؤال عن الشريك وتمحيص شخصيته ثم تأدية صلاة الاستخارة والتوكل على الله وليس عيب علينا أن نتراجع عن القرار إذا وجدنا ما هو غير مناسب لنا والقاعدة هنا تكمن كلما تركنا الشخص من البداية أو في وقت مبكر كلما كان ذلك أفضل لنا وله وهذا هو المعنى الحقيقي للاستشارة والاستخارة ففترة الخطوبة ليست فترة اللعب وإنما فترة يتعرف بها كل شريك على الأخر ويجتهد ليتعرف على مدى توافق هذا الشريك معه وليس استسلام أن هذا الشريك قد أصبح من نصيبه كما يقولون..

في النهاية يبقى أن المعنى الحقيقي لمعايير الاختيار والأساس الجوهري هو في أخلاق كلاً من الرجل والمرأة فهو الذي تستطيع أن تبني عليه كل شيء أخر..لذلك فالمعنى الحقيقي للحب يتجسد في الجوهر كما قال دكتور مصطفى محمود في كتابه (السؤال الحائر): ” الحب الحقيقي هو المودة و الرحمة .. و هو عطاء الفطرة الذي لا تكلف فيه و لا صنعة و لا احتراف و هو صفة النفوس الخيرة و خلة الأبرار الأخيار من الرجال و النساء .. و هو لا يوجد إلا في البيوت الطيبة” .