القلب الصناعى

 

مهما تقدم العلم و تطورت التكنولوجيا ، فلن يستطيع الإنسان أبداً أن يصنع قلبا يحل محل القلب الطبيعي ، أو يؤدي عمله بهذه الدقة ، و بهذا التصميم المعجز الذي أبدعه خالقه سبحانه و تعالي ، أما محاولة صناعة قلوب صناعية فقد بدأت بعد منتصف القرن العشرين ، و لاقت الكثير من الفشل في بدايتها ، ثم أخذت تطور شيئاً فشيئاً حتى أصبحت حقيقة واقعية ، و لكنها لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقوم بوظائف القلب الطبيعي إلا لفترات محددة ، ريثما تتم عمليه جراحية داخل القلب مثلا أو لأيام معدودات ، و المريض صاحب القلب الصناعي سوف يكون برفقته دائماً آلة ضخمة تلازمه كظله ، و تنغص عليه متع الحياة ، و يجتهد الجراحون مع مفكري الهندسة الحيوية دائماً لإنتاج قلب صناعي ، صغير الحجم ، ذي كفاءة عالية .

و للحق فإنه لا يمكن لأي جراح أن يقترب من قلب مريض بدون أن يكون هناك جهاز للقلب الصناعي بجوار سرير العمليات الجراحية ثم يعيدها إلي الجسم ثانيا متفاديا مرورها بالقلب المفتوح الذي تجري به العملية الجراحية، و ذلك بعد تنقيته للدم الوريدي ، و شحنه بالأكسجين و تخليصه من غاز ثاني أكسيد الكربون ، و تجري الإستعانة بالقلب الصناعي دائماً عند إجراء عملية تغيير صمامات القلب ، أو عملية رتق أحد الثقوب ما بين حجرات القلب الأربعة ، أو حتي أثناء استبدال الشرايين التالفة .

وبدون استخدام القلب الصناعي أثناء إجراء هذه العملية فإن الدم يندفع بصورة تعوق عمل الجراح ، و يتحول تجويف صدر المريض إلي بركة من الدم ، و لهذا لابد من وجود القلب الصناعي بجوار المريض ؛ حتي يتم تحويل الدورة الدموية بالكامل إليه خارج جسم المريض ، و ذلك تنتهي العملية الجراحية في القلب بدون وجود دماء في منطقة القلب و الصدر طوال فترة العملية الجراحية .

نبذة تاريخية عن التطور في تصميم القلب الصناعي و استعمالاته :

كان ظهور القلب الصناعي في أواخر الستينات من القرن الماضي بداية لعصر تطور جراحة القلب ، فلم يعد يكفي أن يستغني الجراح عن عمل القلب الطبيعي ، لمدة ثلاثين دقيقة أثناء إجراء العمليات الجراحية في القلب ، و لكن اتجهت جهود العلماء إلي تصميم قلب صناعي ، يقوم بعمل القلب الطبيعي لمدة سنوات ، و لذلك ظهرت إلى الوجود مضخات عدة ، تحل محل القلب الطبيعي من ابتكار بعض العلماء منهم ( مايكل دبيكي ) و هو أمريكي من أصل لبناني ، د/ ( كـولـف ) و ( مـون جـات ) و ( إيـســتـوود ) و آخرون ، و لكن كولف انتهي به الأمر إلي تصميم قلب صناعي ذي كفاءة عالية ، استطاع به أن يحل بعض مشاكل القلب الصناعي مثل التجلط و غيره ، و الجهاز الذي ابتكره كولف كان في غاية البساطة ، فهو عبارة عن كيس ، يمتلأ بالدم ، و يحيط به كيس آخر . يندفع فيه على هيئة نبضات تملؤه ثم يفرغ الكيس ، و يسحب الهواء فيسمح للدم بالعودة ، ليمتلأ الكيس مرة أخري و هكذا ، و كان استخدام هذا القلب في بداية ثمانينات القرن الماضي ، و لكن هل يستطيع هذا القلب أن يقوم بعمل القلب الطبيعي الذي يعمل طوال حياة الإنسان دون انقطاع ، و يدق سبعين مرة كل دقيقة ؟

تركيب القلب الصناعي في أحدث تصميم له و كيفية قيامه بالعمل :

في أحداث تصميمات للقلب الصناعي ، تمت صناعة القلب الحديث من هيكل من الألمونيوم ، يثبت على الكيس الذي يجمع الدم ، و هو مصنوع من مادة البولي يورثان ، و هي مادة تشبه البلاستيك ، و في أسفل هذا الكيس يوجد غشاء يفصل الدم عن الهواء الذي يقوم بعملية الدفع ، و عند ارتخاء الغشاء يندفع الدم إلي القلب الصناعي ، و بعد ذلك يتم ضغط الهواء حول الكيس ، فيندفع الدم إلي الشريان الرئيسي في الجسم .

و يتكون القلب الصناعي من نصفين متشابهين تماماً ، مثل القلب الطبيعي الذي يتكون من نصف لدفع الدم إلي الرئة لأكسدته ، و يعود مرة أخري إلي الناحية اليسرى من القلب ؛ حيث يدفع إلي كافة أعضاء الجسم دون الحاجة إلي سيطرة الجهاز العصبي أو المخ على القلب الجديد ، فهو يستجيب لكمية الدم المتدفقة إليه ، فإذا زادت كمية الدم التي تصل إلي القلب الصناعي زاد تدفق الدم الذي يدفعه القلب الصناعي إلي الجسم ،و معني هذا أن كمية الدم التي تصل إلي جميع أجزاء الجسم تزيد مع المجهود ، و هو ما يحتاجه أي شخص لقلبه .أما الجزء الآخر من القلب ، فهو الجزء الذي يبقي خارج الجسم و هو عبارة عن جهاز ضغط و شفط الهواء ، و الذي تعتمد عليه عملية ضخ الدم من الجسم و إليه ، و يتصل الجهاز بالقلب داخل صدر المريض بواسطة أنبوبتين ، يصل طول كل مهما نحو مترين .

و معني هذا أن المريض يستطيع أن يعيش مقعدا في كرسي ، و بجواره التروللي الذي يحمل جهاز الضغط .و هل الحياة بهذا الشكل تعتبر حياة ؟! و سبحان الله الخالق المبدع .

مضخة اصطناعية لمساعدة القلب المريض :

بعد عملية زرع القلوب البشرية ، و صنع قلوب صناعية بديلة للقلوب الطبيعية المريضة ، ابتكر العلماء مضخة صغيرة ، تدخل جوف القلب المريض ؛ لتساعده في العمل ريثما يتم علاجه ، فكيف تعمل هذه المضخة ؟ و ما هو تركبيها؟

المضخة الاصطناعية (مضخة القلب الصناعية) :

هي مضخة صغيرة ، تقوم بمساعدة القلب في عمله ؛ و لذلك سميت المضخة الدموية ، و لا يزيد حجمها عن بضعة ملليمترات ، و يمكن إدخالها في جوف القلب بدون عملية جراحية .

و كما هو معروف فالقلب يتكون من أربع حجرات ، أهمها : البطين الأيمن الذي يضخ الدم الوريدي الأزرق إلي الرئتين للتخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون ، و مزج الدم بالأكسجين ، و البطين الأيسر هو الذي يضخ الدم النقي الأحمر عبر الشريان الأبهر ( الأورطة )؛ لتغذية مختلف أنسجة الجسم .

و الدورة الرئوية قصيرة ( من القلب إلي الرئتين ، و من الرئتين إلي القلب ) و مقاومتها قليلة ، و يمكن للبطين الأيمن القيام بها بقليل من الجهد و الطاقة ، أما البطين الأيسر فهو يضخ الدم إلي جميع أنحاء الجسم ، و هي مسافة طويلة ذات مقاومة عالية ، لذلك كانت مهمته أكبر ، و عمله أشق و أهم ، حيث أنه هو ذلك الجزء من القلب الذي تعول عليه حياة الإنسان ، فإذا ما ضعف نتيجة لأسباب مرضية أو جراحية أو غيرها ، يفقد قدرته على الضخ بشكل كاف يفي بحاجة الجسم ، و قد يؤدي هذا إلي الوفاة ، و لكن و بواسطة هذه المضخة الاصطناعية ، فيمكن للإنسان أن يعيش على الرغم من قصور عضلة القلب ؛ حيث تقوم المضخة بالجزء الكبير من العمل ، فتربح القلب ريثما يستطيع العودة إلي نشاطه المعتاد ، و تتراوح هذه المدة من بضع ساعات إلي سبعة أيام .

تركيب المضخة و كيفية عملها :

تتكون المضخة من إسطوانة صغيرة من الفولاذ ، يوجد بداخلها توربين حلزوني صغير ، يدور بسرعة تصل إلي 25 ألف دورة في الدقيقة و هي أربعة أضعاف سرعة دوران محرك سيارة السباق ، و نتيجة للدوران ، تسحب الدم من البطين الأيسر ، و تدفعه إلي الأورطة من خلال أنبوبة صغيرة تصل بينهما ، هذا و لا يتعدي حجم هذه المضخة بضعة ملليمترات ، فحجمها يقارب حجم الممحاة ( الأستيكة ) المثبتة في طرف القلم الرصاص العادي ، و يمكن إدخال هذه المضخة الصغيرة بواسطة قسطرة رفيعة من أحد شرايين الفخد و تمريرها عبر الأورطة ؛ لتوضع في البطين الأيسر ، و تستغرق هذه العملية البسيطة حوالي 20 دقيقة ، و لا يلزم تخدير عام .

و تصل المضخة خارج الجسم بمحرك كهربائي إلكتروني صغير ، و ذلك بواسطة أنبوبة رفيعة تشبه خيط المكرونة ، يقوم بتحريك توربين المضخة ، و آلية عمل مضخة الدم هذه تعتمد على مبدأ حلزون ( أرشميدس ) العالم الرياضي اليوناني الشهير الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد ، و يتألف من أنبوبة ملتفة بشكل حلزوني حول محور مائل داخل اسطوانة أكبر قليلاً ، و يوضع الطرف الأسفل من الاسطوانة في السائل ، ثم تحرك الإسطوانة حول محورها ، فيدخل السائل في الأنبوبة ، و يرتفع نتيجة للدوران حيث ينسكب من الطرف العلوي ، و هكذا يكون قد ارتفع من مكان منخفض إلي مكان آخر مرتفع ، و يفضل دوران المضخة السريع ، فهي تستطيع سحب 4 لترات من الدم و دفعه في الدقيقة الواحدة ، و هذه الكمية تكفي الإنسان العادي في حالة الراحة ، فالقلب الطبيعي يضخ ما بين خمسة إلي ستة لترات من الدم في الدقيقة خلال المجهود اليومي العادي .

هل لهذه المضخة أي آثار ضارة ؟

مع أن هذه المضخة تضخ الدم بكيفية تختلف من طريقة ضخ القلب الطبيعي له ، إلا أن الأطباء لم يروا أي آثار ضارة لها ، و كان أول مرة تستخدم فيها المضخة على مريض يبلغ من العمر 62 عاماً في إبريل سنة 1988 ، و كانت قد أجريت لهذا المريض جراحة حديثة في القلب في معهد تكساس للقلب ، و بدأ جسمه يرفض القلب المزروع، فأبطأ حركته ، و اضطرب عمله ، و جعل حياة المريض مهددة ، لذلك أدخلت هذه المضخة إلي القلب المريض المزروع و بدأت العمل ، و في أثناء ذلك أعطيت للمريض الأدوية المضادة للرفض ، و بدأ تأثيرها بالظهور ، واستعاد القلب نشاطه و عمله ، ثم أزيلت المضخة بعد ذلك بسهولة بعد يومين من وضعها .

كيف يمكن الاستفادة من هذه المضخة الآن ؟

تفيد المضخة الاصطناعية هذه لمرضي الذين يصابون بأزمات قلبية حادة ، حيث يفقد القلب قدرته على الضخ ، و تصبح حالة المريض بين الحياة و الموت . و كذلك تنفع في حالة المرضي الذين تجري لهم عمليات في القلب ، و لا يستطيع القلب بعدها استعادة نشاطه و حركته مباشرة كما هو مألوف ، و كذلك عند المرضي الذين يتعرضون لأزمات و قصور حاد في القلب خلال عملية القسطرة القلبية ، و هي ليست كثيرة و الحمد لله .

و كذلك عند المرضي الذين تجري لهم عمليات زرع القلب ، و يرفض جسمهم القلب المزروع بشكل حاد مبكر ، و في كل هذه الحالات يحتاج قلب المريض إلي مساعدة مؤقتة ، ريثما يستريح و يعاود نشاطه ، و هذه الفترة تمتد من ساعات قليلة حتي سبعة أيام أحياناً ، واستعملت هذه المضخة بعد ذلك و في نفس معهد تكساس على مريضين آخرين ، كان آخرهما مريضة في الثانية والسبعين من عمرها ، لم يستطع قلبها معاودة عمله بعد انتهاء عملية وصل شرايين جديدة ، و قد أدخلت المضخة لجوف القلب ، و استمرت في العمل مدة ثلاثة أيام استعاد القلب بعدها نشاطه ، فاستخرجت المضخة ، و تعافت المريضة ، و خرجت من المستشفي .

محاولات سابقة لتصميم مضخات للدم :

تعد فكرة مساعدة القلب في عملية فكرة قديمة ، ففي سنة 1934 صمم الدكتور ( ميكل دبيكي ) في أمريكا مضخة بسيطة تسحب الدم من طرف ، و تضخه من طرف آخر بواسطة مكبس دوار فوق أنبوب بلاستيكي مرن داخل علبة محكمة ، و كان دبيكي وقتها مازال طالباً في كلية الطب ، و سميت هذه المضخة ( المضخة الدورانية ) و في سنة 1937 جاء الدكتور ( جان جيبون ) الأمريكي ، و كان جراحاً ماهراً ووضع عددا من مضخات دبيكي بعضها مع بعض و كون منها جهاز للقلب و الرئتين ، و هو نفس مبدأ الجهاز الذي يستخدم اليوم في عمليات القلب المفتوح، حيث يقوم هذا الجهاز بعمل القلب و الرئتين حينما تجري الجراحة على القلب ، و لولا هذا الجهاز ما كانت هناك جراحة قلبية كالتي تراها اليوم ، فأثناء العمل الجراحي يوصل القلب بأنابيب عديدة للجهاز الذي يستأثر بالدم ، الأزرق الوريدي العائد من القلب ، و يمزجه بالأكسجين ، و يخلصه من غاز ثاني أكسيد الكربون ، ثم يعيده أحمر نقيا إلي الشريان الأورطي عبر أنبوب آخر ، و يعزل القلب الطبيعي عزلاً تاماً أثناء ذلك ، و تجري العملية اللازمة عليه ، و بعد الانتهاء يترك ليأخذ وضعه الطبيعي بعد وقف جهازي القلب و الرئة الصناعيين .

و هكذا فتح باب واسع من أبواب التقدم عند بدء استخدام الجهاز ، و تواصلت الجهود بعدها ، لتطوير جهاز يساعد القلب الضعيف دون أن نستبدله .

و فى عام 1961 صمم الدكتور ( روي كلادس ) و مساعدوه جهاز يعمل على سحب الدم ، و ضخه مرة أخري من الجسم بسرعة فائقة ، في توقيت معين قريب من زمن انقباض عضلة القلب و انبساطها ، و ذلك مـن خـلال قسـطرة أدخــلت فـي أحـد الشـرايـيـن الفـخذية ، و قد عملت هذه المضـخة بنـجاح ، و لكن لم تسـتعمل على نطـاق واسع ، و في سنة 1962 صمم الدكتور ( كانترو ويتز ) جهازا مماثلا من حيث المبدأ ، و لكن يعمل من خلال بالون طـويل يدخـل إلي الشريان الأورطي ؛ حيث ينتفخ و ينكمش بسرعة في توقيت معين إلي إراحة عضلة القلب ،و تقليل المقاومة ، و زيادة التروية الدموية في شرايين مما يؤدي القلب التاجية ، و قد استخدمت هذه المضخة لأول مرة سنـة 1967 و سميت مضـخـة الـبالـون داخـل الأورطة ، و أثـبتـت التـجـارب فائدتها القصوي للمرضي ، و مساعدتهم على تخطي المراحل الصعبة لحين استعادة القلب لنشاطه و عمله ، و تعد هذه المضخة اليوم أساسية ،و قلما يخلو مركزا من مراكز جراحة القلب منها ، ثم تطورت هذه المضخات حتى وصلت أقصي درجات التطور لتحقق فائدة عظيمة لكل مرضى القلب .

 

مع تمنياتنا لكم بالصحة و السعادة . . .