إنها شكوى قد تبدو مرعبة للبعض و قد تبدو غريبة على البعض الآخر … لأنها تحمل ذلك اللون الذى نخشاه جميعا عندما نراه خارج أجسادنا … القئ الدموى أو ترجيع دم من الفم .فى الأغلب قد مر معظمنا بتجربة القئ العادى و هو خروج مكونات المعدة من خلال الفم أما القئ الدموى فهو حدوث تقيؤ أو ترجيع دم أحمر أو مادة بنية اللون لونها كالقهوة مثلا أو قطع دم متجلطة تشبه قطع الكبدة من الفم .

قد يصاحب القئ الدموى أو حتى يسبقه تغير لون البراز إلى اللون الأسود و يكون البراز طريا مما يجعله أشبه بلون الأسفلت أو القطران أو البلك الأسود … قد تفاجئ تلك الشكوى أحدنا فلا يدرى كيف يتصرف ، دعونا نتعرف من خلال ذلك المقال على ماهية القئ الدموى و ما أسبابه و كيفية التصرف فى حالة حدوث قئ دموى لا قدر الله لأحدنا أو أحد المحيطين بنا .

 

ما هى أسباب حدوث القئ الدموى ؟

الأسباب متعددة و تختلف من شخص لآخر و هى أسباب تحدث فى الجزء العلوى من الجهاز الهضمى والذى يتكون من المرئ (الأنبوبة التى توصل الطعام من الفم للمعدة) تليها المعدة ثم الإثنى عشر (و هى المنطقة التى تلى المعدة مباشرة و أول جزء من الأمعاء الدقيقة) .

stomach_preview_1.jpg2e60ae94-e5a8-4ece-99f4-e245506786dbLarger

أكثر الأسباب شيوعا للقىء الدموى هى:

  • التهابات أو قرحة المعدة أو الاثنى عشر (وهى حدوث قرحة بالغشاء المخاطى المبطن لجدار المعدة أو الاثنى عشر و لها أسباب عديدة قد تكون مثلا بسبب سوء استخدام المسكنات أو بسبب ما يسمى بالميكروب الحلزونى أو الجرثومة الحلزونية).
  • دوالى المرئ أو المعدة فى مرضى الكبد (و هى حالة تحدث فى مرضى تليف الكبد و ارتفاع ضغط الوريد البابى الذى يأخذ الدم من الأمعاء إلى الكبد مما يؤدى إلى رجوع الدم فى أوردة بالمرئ أو المعدة تؤى إلى نزيف و قئ دم).
  • ارتجاع المرئ (و هى ارتداد العصارة الحمضية من المعدة إلى المرئ قد يؤدى إلى التهابات شديدة تؤدى إلى النزف).
  • أورام المرئ و المعدة.

هناك أسباب أخرى عديدة و لكنها قليلة الحدوث مثل ما يسمى بمتلازمة مالورى فايس (عند حدوث قئ شديد مثلا يؤدى إلى مزق فى الغشاء المخاطى بالمرئ و حدوث نزف) ، وجود تمددات وعائية ببعض الأوعية الدموية الموجودة بجدار المعدة تؤدى إلى حدوث قئ دم .

و الآن بعد أن تعرفنا على أكثر الأسباب التى قد تؤدى للقئ الدموى نأتى للأهم :

ما هو التصرف السليم عند حدوث قئ دم؟

 

ec_187_1

تعتبر هذه الحالة حالة طوارئ طبية تستدعى منك الذهاب إلى أقرب قسم استقبال و طوارئ بمستشفى لتقييم الحالة و لا تنتظر فى البيت خاصة إذا كنت مريض كبد مزمن فقد يتكرر القئ الدموى بكمية أكبر ، قد يتوقف القئ الدموى و قد يكون السبب بسيط و لكن يجب تقييم الحالة من قبل الطبيب المتخصص لمعرفة كمية فقد الدم و مدى خطورة الحالة و احتياجها للحجز بالمستشفى من عدمه حيث يختلف التعامل مع الحالات حسب كمية فقد الدم و مدى استقرار الدورة الدموية من عدمها و السبب المتوقع لحدوث القئ الدموى و هل صاحب الشكوى مريض كبد أم لا .

يقوم الطبيب بأخذ تاريخ مرضى و أسئلة للتوصل إلى طبيعة النزيف ، و أولها يتأكد هل النزيف يأتى من الجهاز الهضمى فعلا؟ ، فقد تكون الشكوى هى سعال دم و ليس قئ دم (الدم يأتى من الجهاز التنفسى) أو نزيف من الأنف ” رعاف ” يسيل على الجزء الخلفى من الحلق .

يسأل الطبيب أيضا عن كمية الدم المفقود و لون القئ الدموى و عن أى تاريخ مرضى سابق مثل أمراض الكبد أو المعدة أو أمراض سيولة الدم و الأدوية التى يتناولها المريض خاصة المسكنات او العلاجات التى قد تسبب سيولة بالدم كالماريفان .

بعدها يقوم الطبيب بتقييم الحالة العامة و مدى استقرار الدورة الدموية من قياس النبض و ضغط الدم و يقوم بطلب الفحوصات و التحاليل اللازمة مثل نسبة الهيموجلوبين و سيولة الدم و وظائف الكبد لتقييم الحالة ، تتوقع بعدها أن يقوم الطبيب بالعلاج المبدئى فى الاستقبال مثل اعطاء بعض الأدوية والمحاليل بالوريد .

فى بعض الحالات قد يكون النزيف بسيطا و فى بعض الأحوال يكون النزيف شديد يستلزم اعطاء محاليل و أحيانا يحتاج لنقل دم لتعويض الفقد ، يتم تقييم حالة المريض و أخذ القرار بحجز المريض بالمستشفى أم لا

متى يتم حجز مريض القىء الدموى فى المستشفى

  • عدم استقرار الدورة الدموية كإنخفاض ضغط الدم أو تسارع نبضات القلب
  • كمية الدم المفقودة كبيرةأو انخفاض كبير فى نسبة الهيموجلوبين
  • كل مرضى الكبد
  • وجود تاريخ لدوالى مرئ سابقا كبار السن
  • و هناك حالات مطمئنة لا تستدعى الحجز فى المستشفى و يتم إرشادها لما بعد ذلك .

و الآن ما هى الخطوة التالية لتشخيص السبب ؟

بعد عمل التقييم الأولى و تصنيف حالة المريض و عمل العلاج المبدئى يحتاج الطبيب إلى عمل المزيد من الفحوصات لاستكمال تشخيص سبب القئ الدموى و هنا يأتى دور منظار الجهاز الهضمى و هو أحد الأدوات و الفحوصات الهامة لمعرفة سبب القئ الدموى و أيضا يكون وسيلة لعلاج بعض الحالات كما سنوضح فى السطور التالية.

ما هو منظار الجهاز الهضمى ؟

كثيرا ما ينتاب المريض القلق عند ذكر الحاجة لعمل منظار على المعدة و الاثنى عشر لعدم الفهم الكامل لماهية المنظار و الضرورة أو الحاجة له و لذلك يجب أن تصل رسالة المقال هنا بأن منظارالمعدة و الاثنى عشر فى حالة عمله بواسطة الطبيب الماهر المتخصص و فى مكان يراعى قواعد مكافحة العدوى و التعقيم فلا قلق منه و يعد ضرور فى تشخيص حالات القئ الدموى و أيضا وسيلة لعلاج بعض الحالات .

 

endoscopy

و المنظار يمكن تشبيهه بأنبوبة مرنة من الألياف الضوئية تتصل بكاميرا فى نهايتها و مصدر اضاءة بحيث يمكن للطبيب رؤية ما بداخل المعدة و الاثنى عشر و تشخيص سبب القئ الدموى ، يتم تحديد موعد منظار الجهاز الهضمى حسب حالة المريض ، فالمريض الذى لا يحتاج للحجز و حالته مستقرة و لا نخاف من تكرر القئ الدموى يمكن تحويله إلى عيادة الجهاز الهضمى لاحقا لتحديد موعد لعمل المنظار ، أما الحالات التى يتم حجزها بالمستشفى فيتم التعامل مع المريض حتى استقرار الحالة و أحيانا قد يستدعى لبعض المرضى تركيب أنبوب رفيع عن طريق الأنف يعرف باسم أنبوب (رايل) لعمل غسيل للدم المتبقى بالمعدة بعدها يفضل أن يتم عمل منظار المعدة فى أقرب وقت فى خلال 24 ساعة لمعرفة سبب القئ الدموى و التعامل معه ، يتم التعامل مع الحالات بالمنظار حسب سبب النزيف فمثلا:

  • حالات قرحة المعدة النازفة قد تحتاج إلى تدخل علاجى بالمنظار مثل حقن القرحة بادرينالين ، أو استخدام ما يسمى بدبابيس قرحة المعدة (هيموكليب) ، أو الكى ، و يتم تحديد نوع التدخل العلاجى حسب تصنيف القرحة و احتمالية النزيف منها مرة أخرى ، و بعض القرح تكتفى بالتشخيص و استكمال العلاج الدوائى
  • دوالئ المرئ قد تحتاج إلى حقن الدوالى أو ربط الدوالى لايقاف النزيف و قد تحتاج لاحقا الى متابعة و جلسات ربط أخرى بالمنظار ، و دوالى المعدة تحتاج للحقن
  • عند وجود ما يخشى أن يكون أورام بالمرئ أو المعدة قد يتم أخذ عينة منه للتشخيص
  • التمددات الوعائية النازفة قد تحتاج إلى كى بالأرجون

و هكذا تعتبر المناظير و التحديث المستمر فى مجالها بمثابة ثورة هائلة فى مجال التعامل مع حالات القئ الدموى بمختلف أسبابها .

و يبقى سؤال : هل حالات القئ الدموى خطرة ؟

تختلف اجابة هذا السؤال لأن مدى خطورة القئ الدموى تختلف اختلافا كبيرا حسب العمر ، سبب النزيف ، كمية الدم المفقود، هل المريض عنده مرض بالكبد أم لا ، هل هناك أمراض أخرى مصاحبة كالسكر و مشاكل القلب ، هل هناك خطورة لعودة النزيف مرة أخرى ؟ ، فبينما تكون بعض الحالات بسيطة تكون بعض الحالات الأخرى خطيرة و قد تحتاج لعلاج جراحى و يتم تقييم ذلك من قبل الطبيب المتخصص.