لقد شرع الله عز وجل الزواج وحث عليه وارشد على الإقبال إليه؛ لما فيه من فوائد عظيمة وقيم جليلة في حياة الفرد بصفة خاصة وفي حياة الأسرة بصفة عامة وفي حياة المجتمع بصورة اشمل وأعمق، كما شرع الطلاق عند الضرورة؛ لما يترتب عليه حلول لمشكلات مستعصية الحل وخلافات نشبت لا تتم إلا عن طريق الطلاق.
والناظر لواقع المجتمع ومتتبع قضاياه لحظة بلحظة في الفترة الحالية يلحظ ارتفاع نسبة الطلاق على الرغم من كثرة الحلول الممكنة والمتاحة لحل النزاعات بدون اللجوء إلى الطلاق الذي هو آخر الطرق المتاحة أمام الرجل أو المرأة …لذلك لا بد بأن يكون هناك وقفة وتأني قبل حدوث الطلاق والنظر في الموضوع بتمعن بصورة حِكمية وإحساس عقلاني وعمق اشمل وأكثر وضوحا.
حيث تشير الاحصائيات الرسمية فى مصر الى ارتفاع حالات الطلاق بشكل ملحوظ خاصة بين الشباب فى الفئة العمرية ما بين 25 الى 35 عاما وتبين الدراسات ان نسبة الطلاق فى مصر وصلت الى اربعة فى المائة من اجمالى الزيجات فى الخمسين عاما الاخير وفقا لما قالته ال بى بى سى عربى.
المشاكل الناتجة عن الطلاق
الطلاق يمكن أن يؤدي إلى حدوث عواقب وخيمة تؤثر تأثيرا سلبيا على الأطفال و تشتتهم وعلى المجتمع وتدهوره وعلى الأسرة وتفككها؛ خاصة ً أن الأسرة تعتبر البيئة والتربة الخصبة التي تطرح ثمرا ً طيبا ً وتنتج خيرا ً كثيرا ً ينفع المجتمع ويفيده سواء كان بعلمه أو موهبته، فلا بد من تريث وتمهل عند الطلاق بدون استعجال؛ لأن أخطاء الآباء والأمهات يقع فيها الأبناء، وكما يقول المثل العربي القديم ” في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ” فتمهل عند الزواج وتمهل أكثر عند الطلاق.
عندما يشرع الدين سننا أو فروضا لا يشرعها هباءا ً أو عبثا ً وإنما يشرعها بحكمة وتعقل؛ كذلك تعامل مع الطلاق على الرغم من قول النبي- صلى الله عليه وسلم- ” ما احّل الله شيئا ابغض إليه من الطلاق” فانظر معنا إلى هذا الحديث الجليل الذي يمتلئ بالكثير من العبر والدروس.
وقفة قبل الطلاق
لابد من التأني قبل اتخاذ قرار الطلاق و ألا يكون الطلاق الا بعد التأكد من استحالة استمرار الحياة بين الزوجين بعد تدخل أهل الحل و العقد من الطرفين بهدف الاصلاح و تبين الأمور . فإن استطاعوا الاصلاح بينهما و الا كان الطلاق هو الحل الأفضل لتجنب مزيد من الانهيار فى العلاقة المقدسة .
متى يكون الطلاق هو الحل الأفضل ؟
1- نظام الزواج هو نظام شرعه الله- تبارك وتعالى- لخلقه من البشر فقط وواقع الحياة فيه مبني على الاتفاق وليس النزاع أو الخلاف الذي يحتمل معه الزوجين بطاقتهم، ويملأ النفس لكلا الطرفين بالكره والشدة والندم الشديد؛ فعندئذ يكون الطلاق أسلم الحلول وأفضلها.
2- منع الطلاق يفرض استمرار الأسرة المتنازعة ويجبرها في ظل بغض احد الطرفين الآخر, فإذا رضي الزوجان بالاستمرار بدون طلاق وبدون مودة ولا رحمة بل حياة منغصة وكدر يحل محل الصفاء حتى وان اتفقا في ظل هذا الوضع بالاستمرار؛ لأنه لا خير في ذلك الوضع لا للزوج ولا للزوجة ولا للأبناء.
3- الطلاق قد يكون بداية صلاح للزوجين ونعني هنا بالخصوص الطلاق الرجعي؛ لأن الرجل يمكن له أن يكتشف أن حبه لزوجته وارتباطه بها أكثر مما كان يظن فيردها إلى عصمته من جديد سواء كانت قبل انتهاء العدة أو بعد فترة العدة بعقد جديد؛ فيعود الزوجان إلى المودة والرحمة من جديد التي كانا عليهما… ولذلك تكمن الحكمة هنا وهو التفكير بعمق والتأني ومشاورة النفس من جديد.
الآثار المترتبة على الطلاق
بصفة عامة يكون الطلاق مؤثرا على كل الطرفين ( الرجل و المرأة ) و قد يكون أحدهما أكثر تأثراً أو تضرراً مقارنة بالأخر و ذلك يخضع لعوامل عدة لدى كل منهما .
1- إن أشد شيء على المرأة ويقصم ظهرها ويكسر من أنوثتها هو الطلاق ولذلك فان الطلاق تعاني منه الزوجة من ضغط نفسي بعد الطلاق؛ خاصة إذا كان لديها أبناء فضلا عن موقف أسرتها من حدوث عملية الطلاق ونظرة المجتمع إليها وقسوته عليها.
2- كما ذكرنا فإن أثار الطلاق لا تقتصر القاتلة على المرأة فقط بل وعلى الرجل أيضا حيث يجهد الرجل ويعاني معاناة شديدة من من الوحدة والأعراض الجسدية والشهوانية ومشكلات نفسية بعد الطلاق خاصة عندما تقارن حالتهما قبل الطلاق محياة الزوجية التي تملأها المودة والرحمة والحب وبين حالهما بعد الطلاق وما يحمله كل منهما من معاناة.
3- تأثر الطفل عكس تأثر الرجل البالغ العاقل أو المرأة البالغة العاقلة فالطفل يمكن له أن يظل متأثرا ً بهذه المشكلة طوال حياته وتراوده تلك الأخطاء التي يقع فيها الآباء والأمهات؛ مما يسبب له أمراض نفسية بالغة الخطورة, وتشتت من نفسيته وتذهب من طمأنينته التي كان عليها في يوم يتمنى رجوعه مجددا ً خاصة وهو ينظر إلى زملائه الذين من عمره الذين لا يوجد عنهم تلك المشكلة العويصة التي يتمنى الطفل زوالها سريعا ً.
و ختاماً نذكر الجميع بأن الطلاق أمر قد شرعه الله تعالى لحل مشكلة و لكن فى الوقت ذاته نبهنا الشرع إلى ضرورة استيفاء المحاولات قبلالاقدام على تلك الخطوة التى قد يكون لها عواقب على الطرفين و ما بينهما من أبناء .