إذا كنت تشعر بالقلق البالغ تجاه أمر ما فعليك أن تحصل على حضن كبير !!
هذه العبارة كتبها أحد الاساتذة بجامعة هارفارد لتلاميذ قبيل امتحاناتهم بوقت قصير و قد كان لها اثر طيب على من عمل بها حيث تناقصت معدلات القلق لديهم بصورة واضحة و ملحوظة مما كان له أثر بالغ على تفوقهم فى الإختبار !!
الدراسات المنشورة ترى أن الأحضان أو ما يطلق عليه البعض ” العناق ” هو أمر هام جداً فى حياة كل فرد ليس لمجرد أنه يشعره بالقرب الشديد من الاشخاص المميزين فى حياته لكنه ايضا فى الوقت ذاته يرفع مناعة الإنسان و يحميه من الاصابة بالعديد من الأمراض .
للوهلة الأولى قد يظن البعض ان حالة العناق او الاحتضان قد تحمل معها مخاطر الإصابة بالعدوى نظرا لاقتراب الشخص من جلد ووجه و شفاه الأخرين و ملابسهم التى قد تكون غير نظيفة بالقدر الكافى لكن الدراسات تؤكد أن حالة العناق و التواصل الجسدى تحمى الإنسان من امراض و علل كثيرة خاصة تلك التى يسببها التوتر و الضغط العصبى . و هذه الدراسة مدعومة بنتائج كثيرة و بيانات تفصيلية تؤكد التأثير الإيجابى للدعم الإجتماعى على الصحة الجسدية .
و يعرف الدعم الإجتماعى على انه استقبال مشاعر دافئة ذات معنى و قيمة من أشخاص ترتبط معهم بعلاقات مسبقة و تعمل تلك المشاعر الدافئة كحائط صد يحمي صحتك النفسية و قت إشتداد الأزمات . و يمكن تعريف الدعم الإجتماعى أيضا على أنه الدعم النفسى وقت الأزمات .
و قد قام الباحثون بقياس درجة الدعم النفسى / الإجتماعى الذى يتلقاه الفرد و ذلك بطرح إستمارة “إستبيان” تحتوى على عدة عبارات أو جمل من ضمنها :
- أشعر أنه لا يوجد شخص يمكننى أن أبوح له بما لدى من مخاوف أو مايحيط بى من أخطار .
- أشعر أننى وحيد فى هذه الحياة
تم عمل لقاءات مع هؤلاء الاشخاص الذين قاموا بملء الإستمارات و خلال تلك اللقاءات تم التعرف عليهم بصورة أكثر قربا و وضوحا و تم سؤالهم تحديدا كم مرة تتلقى الأحضان ممن حولك ؟؟
ثم قام الباحثون بعمل تجربة قد تبدو عجيبة وربما مضحكة حيث قاموا بنقل فيروس الانفلونزا الى هؤلاء الأشخاص و ملاحظة ما الذى يجرى لهم !!!
ظهرت عدة نتائج مثيرة للاهتمام. وجد أن الأشخاص الذين لديهم شعور قوي بالدعم الاجتماعي، كما هو موضح من قبل على درجة متوسط عالية على الاستبيان و كانوا يتلقون الأحضان بصورة شبه منتظمة (وهذا ما حدث في المتوسط 68٪ من أيام خلال الفترة المقابلة لمدة أسبوعين) و لديهم صراعات او خلافات أقل مع من حولهم (7٪ من أيام) هم أقل عرضة من غيرهم بمراحل للاصابة بفيروس الانفلونزا .
و ربما كانت أهم النتائج على الإطلاق هى التأكد من أن هناك تأثير قوى على جهاز المناعة يتأثر بوجود الصراعات بين الاشخاص وبعضهم مما يجعل الواحد منهم معرض باستمرار للاصابة بالامراض و بالعدوى .
لوحظ أيضا أنه بعيدا عن كمية الخلافات او الصراعات التى تحدث بين الاشخاص القريبين من بعضهم لكنهم فى الوقت ذاته لديهم احساس حقيقى و قوى بالدعم النفسى و الاجتماعى قد ظهرت لديهم اعراض الانفلونزا بصورة اقل بكثير مما حدث مع غيرهم ممن لا يتمتعون بنفس الدرجة من الدعم النفسى .
و بالتالى فأنه يمكن القول بأنه كلما زاد الترابط الاجتماعى و واظب الافراد القريبين من بعضهم على التواصل بالعناق و الاحضان كلما اصبح هؤلاء اقل عرضة للاصابة بالمرض !! حتى و ان كانت تدور بينهم مناوشات بسيطة او خلافات عارضة بين الحين و الاخر
كذلك فقد أكدت الدراسة أنه كلما زاد تنوع العلاقات الإجتماعية للشخص ما بين ( علاقات أسرية – علاقات عمل -صداقات – الخ . . ) هذا يجعله أكثر مقاومة للعدوى بحسب الدراسة بل ربما تصبح سببا فى زيادة متوسط العمر .
حيث اكدت دراسية أجراها باحثون من السويد على مجموعة من الرجال ممن يقومون بأعمال شاقة و وجدوا علاقة وثيقة بين زيادة متوسط عمر الاشخاص و قوة الترابط الاجتماعى الذى يتمتعون به .
و فى الواقع فإن انعدام الدعم النفسى او وجوده بصورة مهلهلة قد ييكون سبب فى نقص متوسط العمر ربما كان تأثير ذلك يفوق تأثر التدخين و المخدرات و الكحوليات !! و بالتالى فإنه ليس من قبيل المفاجأة أن نقول أن منظمة الصحة العالمية أصبحت تدرج بند العلاقات الإجتماعية للشخص ضمن العوامل الاساسية التى تؤثر على صحته .
وكما يقولون أن بائع العطور لابد ان يناله من رائحتها نصيب فإنه من الهام أن نؤكد أن دفء المشاعر العائليةاو الاجتماعية لا يكون قاصرا على من يتلقى هذه المشاعر فقط بل يمتد ليشمل من يقدمها أيضا .
تجارب أخرى أجريت على أشخاص معروف عنهم أنهم يتمتعون بحالة رومانسية مع ازواجهم و قد تم تعريض هؤلاء الاشخاص الى شحنات كهربية نحو المخ و لوحظ أنه فى حال إمساك أحد هؤلاء بيد شريك حياته أثناء تلقى الشحنة الكهربية فهذا يجعل مراكز التحكم فى الخوف تنشط و بالتالى يقلل من حجم الفزع او الهلع لدى الشخص لحظة امساكه بيد شريك الحياة الذى يعيش معه فى حالة انسجام نفسى و رومانسية .
و من ثم فإن دفء المشاعر يمتد لا ليحمى من العدوى فقط بل من الفزع و يجعل الفرد قادر على التعامل مع طوارىء ومستجدات الحياة دون اضطراب .
على الجانب الأخر وجد أن الاشخاص الذين يعيشون حياة العزلة و ليس لديهم علاقات اجتماعية قوية هؤلاء الافراد تظهر لديهم معدلات اقل من الاجسام المضادة فى الدم عندما تم حقنهم بمصل الانفلونزا .
كذلك فقد وجد ان الاشخاص المنعزلين اجتماعيا ممن يعانون من امراض الشريان التاجى و الذبحة الصدرية يكونوا اكثر عرضة للمخاطر مقارنة بأولئك ممن لديهم علاقات اجتماعية واسعة و قوية .
و من المؤسف ان واحدا من لثلاث اشخاص على مستوى العالم يعانى من العزلة الاجتماعية وبالتالى فإن نسبة غير قليلة من سكان العالم ككل يصابون بالامراض لا لشىء سوى لأنهم محرومين من الدعم النفسى و الاجتماعى . يكفى أن تعرف ان عدد الافراد الذين لا يجدوا شخصاُ واحداُ يثقوا به قد تضاعف حوالى 3 مرات خلال 20 عاما .
وختاما كما نؤكد دائما على أهمية الرياضة و الغذاء الصحى فإن علينا أن نوضح مدى أهمية قضاء الاوقات السعيدة مع من نحب فهى بمثابة حائط صد يحمى من سلسلة كبيرة من الامراض العضوية و النفسية على حد سواء .